الحوكمة المؤسساتية ، ومتطلبات الاصلاح لتطبيقها في الدول النامية


الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
جامعة أمحمد بوقرة - بومرداس
الملتقي الدولي الأول حول:
أبعاد الجيل الثاني من الإصلاحات الاقتصادية في الدول النامية

مداخلة بعنوان:
الحوكمة المؤسساتية ، ومتطلبات الاصلاح لتطبيقها في الدول النامية

من إعداد:
- أ.بن جاب الله محمد
- أستاذ مساعد مكلف بالدروس؛




- متحصل على شهادة الماجستير تخصص إدارة أعمال من جامعة الجزائر؛
- مسجل في الدكتوراه بنفس الجامعة؛
- مجال الاهتمام:تسيير المؤسسة، نظم وتكنولوجيا المعلومات، محاسبة المؤسسة.



- أ.بن ثابت علال                 
- أستاذ مساعد 
- متحصل على شهادة الماجستير تخصص مالية من المدرسة العليا للتجارة – الجزائر؛
-  مسجل بنفس المدرسة في الدكتوراه؛
- مجال الاهتمام:أسواق مالية، مالية المؤسسة، العولمة المالية، الحكم الراشد.

 
 
















مكان العمل:  كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة عمار ثليجي الأغواط
العنوان البريدي:  طريق غارداية ص ب G 37 الأغواط 03000
الفاكس: 029.93.26.98   
الهاتف النقال: 062.14.27.46
العنوان الإلكتروني: all_benth@yahoo.fr       
أدت العولمة وتحرير الأسواق الوطنية إلى فتح أبعاد جديدة للمؤسسات تتيح لها إمكانيات تحقيق أرباح مذهلة، لكنها في نفس الوقت عرضت تلك المؤسسات إلى منافسة شرسة، وأصبح مديروها يعلمون أنه لمواجهتها يحتاجون إلى مستويات من رأس المال تتعدى إمكانيات مصادر التمويل التقليدية. وقد أدت الأزمات المالية الأخيرة إلى أن تصبح عملية جذب رأس المال بذلك القدر المطلوب تتسم بقدر كبير من الصعوبة والتحديات، خاصة وأن المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال يعلنون بوضوح أنهم غير مستعدون لتمويل مؤسسات لا تتسم إدارتها بممارسات سليمة تؤدي إلى تقليل احتمالات الفساد وسوء الإدارة. وأصبح همهم الأساسي التبصر إلى ما وراء الستار، إلى القواعد والممارسات التي تسير بها المؤسسات او ما يطلق عليه بالحوكمة المؤسساتية.
واليوم أصبحت أساليب حوكمة المؤسسات والتي تتضمن الإفصاح والشفافية وقيمة المساهمين ... بمثابة مصطلحات شائعة الاستخدام في المؤسسات الدولية والدول المتقدمة ، كما أصبح عدم وجود معايير واضحة لحوكمة المؤسسات وحسن إدارتها لمصلحة أصحابها موضوعا تتزايد أهميته يوما بعد يوم خاصة بالنسبة لاقتصادية الانتقالية والنامية ، وأدى ضعف الثقافة الخاصة بهذا المفهوم والإطار التنظيمي له إلى تزايد الاهتمام به في القطاعين الخاص وحتى العام المملوك من طرف الدولة.
و بدأت الجهود المبذولة لغرس حوكمة المؤسسات تتعدى الدول المتقدمة، إلى الدول النامية وهذا للتوسع الضخم للشركات المتعددة الجنسيات، وانفتاح الأسواق المالية على أغلب الدول خاصة التي تعرف بالأسواق الناشئة. وكون ، كما يقال ، رأس المال جبان، على الدول النامية أن تأخذ في الحسبان هذا المفهوم الجديد، وان تدرك أنه لجذب رأس المال الأجنبي على مؤسساتها أن تدار بقدر كافي وسليم يضمن الحقوق الأساسية لأصحاب رؤوس الأموال الذين قد يكون على بعد آلاف الأميال .
ولكي تكون للحوكمة المؤسساتية أثر محسوس في اقتصاد الدول النامية، لا بد من القيام بمجموعة من الإصلاحات والإجراءات، تتعدى مجرد تصدير النماذج الجيدة من الدول المتقدمة، والتي تعمل بصورة طيبة فيها ، إلى توجيه الاهتمام نحو إنشاء المؤسسات والتشريعات السياسية والاقتصادية والقانونية التي يجري وضعها وفق للاحتياجات الخاصة لكل دولة، والتي تعطي المؤسسات سيئا من المنافسة على جذب رِؤوس الأموال.
فما هو مفهوم حوكمة المؤسسات ؟ وما هي آلياتها ومحدداتها ؟ وما هي أهم النماذج المطبقة في الدول المتقدمة ؟ وكيف يمكن للدول النامية أن تقوم بالإصلاحات الضرورية لتطبيقها محليا ؟
هذا ما تحاول الإجابة عليه هذه الورقة البحثية وذلك من خلال التطرق العناصر الرئيسية التالية:
            I.      الإطار النظري لحوكمة المؤسسات ؛ II.  تطبيق حوكمة المؤسسات على الصعيد العالمي؛
      III.      متطلبات الإصلاح لتطبيقها في الدول النامية.
I.الإطار النظري للحوكمة المؤسساتية
في هذا الجزء الأول نتعرض إلى مفهوم حوكمة المؤسسات وأهميته وتطوره التاريخي والآليات والمحددات التي يمكن من خلالها تحقيقه.
I-1:مفهوم ونشأة حوكمة المؤسسات           
 إن لفظ حوكمة المؤسسات مصدرها المصطلح الانجليزي corporate governance[1]   ويمكن تعريفه بأنه : " مجموع الآليات التنظيمية التي من شانها الحد والتأثير على قرارات المسيرين ، والتحكم في توجهاتهم وتبين مجال صلاحياتهم "[2]  .
ويرى بعض الخبراء أن مفهوم حوكمة المؤسسات" يشير بشكل عام إلى مجموعة القوانين والقواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية والممولين وأصحاب المصالح من ناحية أخرى، بحيث يضمن الممولون حسن استغلال الإدارة لأموالهم وتعظيم ربحية وقيمة أسهم الشركة في الأجل الطويل، وتحقيق الرقابة الفعالة على الإدارة "[3].
ويدخل هذا المفهوم ضمن الزخم من الأفكار المتدفق من الولايات المتحدة الأمريكية ووجد صداه بين كبار المؤسسات وهو يرجع إلى نقاش قديم حول طبيعة ومصادر السلطة في المؤسسة، هل هم الملاك أم المسرين ؟ كيف يمكن جمع وتنظيم عدد كبير من المساهمات المتشتتة في قطب معين للتأثير على الاختيارات الاستراتيجية ؟
ثم تطور ليتجاوز مجرد العلاقة الضيقة بين المسيرينLes gestionnaires والمساهمين Les actionnaires لأن الملاك ليسو هم الطرف الوحيد الذين يقوم بالرقابة بل أضف إلى ذلك الدائنين والزبائن والأجراء والسلطات العمومية ... أو ما يسمى بأصحاب المصالح Stakeholders . وعلى هذا الأساس فحوكمة المؤسسات بمعناها الأوسع يشمل كل النظام الذي يسمح لمجموع أصحاب المصالح من مراقبة توجهات المؤسسة والسير بها إلى النجاعة لتحقيق الأهداف المسطرة وباستعمال وسائل وآليات محددة.
ويثير مصطلح حوكمة المؤسسات بعض الغموض لثلاث أسباب رئيسية مرتبطة بحداثة هذا الاصطلاح. السبب الأول هو انه على الرغم من أن مضمون هذا المصطلح وكثير من الأمور المرتبطة به ترجع جذورها الأولى إلى بداية القرن التاسع عشر. حيث تناولتها نظرية المشروع وبعض نظريات الإدارة والتنظيم،إلا أن هذا الاصطلاح لم يعرف في اللغة الانجليزية ، كما أن مفهومة لم يبدأ يتبلور إلا منذ قرابة عقدين أو ثلاثة عقود. بينما يتمثل السبب الثاني في عدم وجود تعريف قاطع وواحد لهذا المفهوم ، فالبعض ينظر إليه من الناحية الاقتصادية على انه الآلية التي تساعد المؤسسة على الحصول على التمويل ، وتضمن تعظيم ثروة الملاك واستمرارها في الأجل الطويل. آخرون يعرفونه من الناحية القانونية على انه يشير إلى طبيعة العلاقات التعاقدية  من حيث كونها كاملة أو غير كاملة ، والتي تحدد حقوق وواجبات المساهمين وأصحاب المصالح من جهة ، والمسيرين من جهة أخرى. وفريق ثالث ينظر إليه من الناحية الاجتماعية والأخلاقية مركزين على المسؤولية الاجتماعية للمؤسسة في حماية حقوق الأقلية وصغار المساهمين. وتحقيق التنمية الاقتصادية عادلة وحماية البيئة. وأخيرا يرجع السبب الثالث في غموض هذا المصطلح لكونه مازال في طور التكوين ولازالت كثير من قواعده ومعاييره في مرحلة المراجعة والتطوير[4].
وبصفة عامة يمكننا القول أن حوكمة المؤسسات هي تعبير واسع يتضمن القواعد وممارسات السوق التي تحدد كيفية اتخاذ المؤسسات لقراراتها والشفافية التي تحدد ذلك ومدى المساءلة التي يخضع لها مسيروها وموظفوها ، وتتضمن أيضا موضوعات خاصة بقانون المؤسسات وقوانين القيد ببورصة الأوراق المالية والمعايير المحاسبية التي تطبق في المعلومات المفصح عنها وقوانين مكافحة الفساد وقوانين الإفلاس وعدم الملاءة المالية ، وهي تتضمن إضافة إلى هذا التشريعات الحكومية التي يتعامل معها المساهمون والمؤسسات وكل أصحاب المصالح ، والأهم من ذلك تتضمن الآليات التي يمكن بها حل النزاعات بين مختلف الأطراف.
وإذا بحثنا في الأدبيات الاقتصادية لحوكمة المؤسسات نجد أنه في عام 1932 كان كل من Berle و Means من أوائل من تناول قضية فصل الملكية عن التسيير والتي تحاول فيها آليات حوكمة المؤسسات سد الفجوة بين مسيري المؤسسة ومالكيها ، من جراء الممارسات السلبية التي يمكن أن تضر بالمؤسسة وبالاقتصاد ككل. وكذلك تطرق كل Meckling و Jensen  في عام 1976 و Fama في عام 1980 إلى مشكلة الوكالة Problème d’agence حيث أشاروا إلى حتمية حدوث صراع في المؤسسة عندما يكون هناك فصل بين الملكية والتسيير ، والتي تؤدي في الأخير إلى بروز تكاليف الوكالة Coûts d’agence من خلال عمليات الرقابة التي يفرضها المساهمين على المسيرين.
وقد أخذ هذا المفهوم مجالا أوسع عندما تم تناول العلاقة ليست بين المساهمين والمسيرين فقط ، وإنما إلى العلاقات التي تربط بين كل أصحاب المصالح Stakeholders ، فلقد تناول Williamson في سنة 1985 نظرية تكاليف الصفقات او المعاملات Théorie des coûts de transaction التي تنشأ من خلال العلاقات التعاقدية بين كل من المساهمين والدائنين والأجراء والموردين والمسيرين... وتطرق إلى الآليات التنظيمية التي تسمح بتنظيم كل هذه المعاملات من أجل تدنية التكاليف إلى مستويات منخفضة وبالتالي زيادة مردودية المؤسسة[5].
وقد ادت العولمة وتحرير الأسواق المالية إلى الاهتمام أكثر بهذا المفهوم لجلب أكبر عدد من المستثمرين الذين يسعون إلى المؤسسات التي تتمتع بهياكل حوكمة سليمة ، خاصة بعد الانهيارات المالية التي عرفتها مؤسسات عالمية كبرى .



I-2: أهمية حوكمة المؤسسات
لقد حظيت حوكمة المؤسسات بقدر من الاهتمام لم تكن لتحظى به في العادة ، لو لا حالات الفشل التي منيت بها مؤسسات كبرى ، والتي لم تؤثر فقط على من لهم صلة مباشرة  بالمؤسسات المعنية أي المسيرين والمساهمين ، ولكم أيضا المتأثرين بوجودها من محاسبين وموظفين وعملاء وموردين والسوق ككل ، ووقوع حالات تعثر على وجه الخصوص لمؤسسات ذات سمعة عالمية ، كمؤسسة Enron ، وبنك DAIWA وشركة Maxwell ، يشير إلى افتقادها لنظم قواعد إدارة واضحة كسبب رئيسي لانهيارها ، والانهيار الاقتصادي الذي شهده العديد من الدول كلها عوامل اجتمعت لتعطي دفعة لموضوع حوكمة المؤسسات وتضعه في المقدمة. وهذه الأزمات الاقتصادية تبين انه حتى في الدول القوية ، فإن افتقاد إجراءات الرقابة الشفافة ومجالس ادراة المؤسسات المسئولة وحقوق المساهمين يجعلها تنهار بسرعة كبيرة بسبب ضياع ثقة المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك فإن إجراءات العولمة مثل تحرير الاقتصاد وتدويله والتطور في وسائل الاتصال والتكامل بين الأسواق المالية والتحول في أشكال ملكية المؤسسات مع زيادة المستثمرين ذو الطابع المؤسسي وزيادة نشاط المساهمين ، زادت من الحاجة إلى قواعد واضحة لتسيير المؤسسات وإدارتها. كما يمكن سرد أهم العوامل التي زادت من أهمية موضوع حوكمة المؤسسات في النقاط التالية:[6]
ü  في ظل النظام الاقتصادي الذي يزداد عولمة ، فإن المؤسسات بحاجة إلى دخول أسواق المال المحلية والعالمية من اجل رأس المال والاستثمار، لذلك فإن وجود نظام سليم لحوكمة المؤسسات أصبح احد احد المعايير الأساسية للاستثمار والإقراض ؛
ü  وبالنسبة للاقتصاد ككل ، فإن وجود قواعد واضحة للادارة تعني كفاءة أكثر للمؤسسات وبالتالي تؤدي إلى مستوى أعلى من النمو الاقتصادي ، فالتسيير الجيد يدفع المؤسسات لدخول أسواق جديدة وتقديم خدمات أفضل ومواجهة التحديات الخارجية ؛
ü  ساعدت الخصخصة على تحفيز الحكومات والمؤسسات على تلبية احتياجات مستثمري القطاع الخاص الذين يطالبون بقواعد إدارة جيدة وشفافية أكثر ؛
ü     تطبيق قواعد حوكمة المؤسسة يزيد من الشفافية ، وبالتالي يزيد من جذب الاستثمارات ؛
ü  تحتاج الاقتصاديات الناشئة لمؤسسات خاصة قوية وقادرة على المنافسة واحتمال الصدمات ، وهذا يتأتى بتطبيق معايير حوكمة المؤسسات ؛
ü  وأخيرا فإن تبني معايير الشفافية في التعامل مع المستثمرين والدائنين وكل أصحاب المصالح يساعد على تجنب الأزمات والمخاطر.
هذا بالإضافة إلى أن حوكمة المؤسسات تنبني على فكرة مفادها أنه إضافة تعظيم الثروة في المؤسسة ، فمن الضروري بمكان وضع نظام قادر على حل النزاعات والصراعات المرتقبة بين كل أصحاب المصالح ، وكذا وضع نظام قادر على التنبؤ واستباق بعض الصراعات نتيجة لتضارب المصالح Conflit des intérêt . فإن حدث بطريقة او بأخرى ان عجزت المؤسسة على إيجاد ذلك النظام فهي معرضة في المدى الطويل إلى شلل وظيفي وذلك لعدم قدرتها على إيجاد مصادر جديدة مالية أو غير ذلك ، ومنه فإذا كانت المؤسسة منظمة بطريقة تضمن نوعا من العدالة والإنصاف بين مختلف أصحاب المصالح ، فإن ذلك سيرجع حتما بأثر إيجابي على فعاليتها في الأمد الطويل[7]  .
I-3: آليات ومحددات حوكمة المؤسسات
رغم الاختلاف في تحديد دقيق لمفهوم حوكمة المؤسسات ، إلا أن هناك شبه اتفاق بين الباحثين عن محدداته والآليات التي من خلاله يتم تطبيقه ، ويمكن تقسيم هذه الآليات إلى مجموعتين رئيسيتين هما: الآليات الخارجية والآليات الداخلية.
تتمثل لآليات الخارجية في أسواق السلع والخدمات، السوق المالي، الوساطة المالية، سوق العمل ( خاصة الاطارت المسيرة ) ، سوق رأس المال الاجتماعي ، البيئة التشريعية والقانونية ،السياسة ...
وتتمثل الآليات الداخلية في:مجلس إدارة المؤسسة،الرقابة المباشرة للمساهمين بواسطة الجمعية العامة والرقابة التعاونية بين المسيرين، المراجعة الداخلية...[8]ويمكن تلخيص هذه الآليات في الشكل التالي:
شكل رقم 01 : الآليات الداخلية والخارجية لحوكمة المؤسسات
المصدر: سميحة فوزي ( 2003) نقلا عن : Iskander Magdi and Nadera Chamlou ,corporate governance: A Framework for Implementation ,Washington: World Bank, 2000, P:43
ويتبين من الشكل ان المحددات الخارجية تتمثل بصورة عامة في المناخ الاستثماري للدولة ، والذي يشمل على سبيل المثال القوانين المنظمة لعمل السوق ، مثل قوانين السوق المالية ، والمؤسسات وتنظيم المنافسة ومنع الاحتكارات والإفلاس ، وكذا كفاءة القطاع المالي في توفير التمويل اللازم للمؤسسات ، ودرجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج ، وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية في إحكام الرقابة على المؤسسات ، وذلك فضلا عن بعض المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين .. وترجع أهمية المحددات الخارجية في أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تهتم بحسن تسيير المؤسسات وتقلل من التعارض والنزاعات بين أصحاب المصالح من جهة، وبين العائد الاجتماعي والعائد الخاص للمؤسسة. بينما تشير المحددات الداخلية إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل المؤسسة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمدرين التنفيذيين، والتي يؤدي توافرها من ناحية ، وتطبيقها من ناحية أخرى إلى الحد من تضارب المصالح والتقليل من النزاعات بين مختلف الأطراف.
ويمكن توضيح ، على سبيل المثال ، دور آلية مجلس إدارة المؤسسة في تعزيز نظام الحوكمة كما يلي:[9]
لا يكون هيكل مجلس الإدارة هو السبب في نشوء التناقضات بشأن الممارسات السليمة في المؤسسة ، وإنما قد يرجع السبب إلى تكوينه.وحتى يتمكن المجلس بالقيام بأدواره بصورة فعالة فإنه من الأفضل :
·   أن يكون هناك جزء من أعضائه من المستقلين عن المؤسسة من غير الموظفين التنفيذيين أو أعضاء العائلة أو من بين المساهمين الرئيسيين. وهذا كي يتحقق الوصول إلى اتخاذ قرارات مستقلة في الحالات التي يوجد فيها تعارض في المصالح بين مختلف الأطراف ، خاصة في يتعلق التقارير المالية ؛
·        ينبغي أن يخصص أعضاء مجلس الإدارة وقتا كافيا للقيام بمسؤولياتهم ؛
·        ينبغي توفير المعلومات الصحيحة وفي الوقت المناسب لأعضاء مجلس الإدارة ؛
وقد تتباين مسؤوليات مجلس الإدارة من مؤسسة إلى أخرى ، إلا أنه بصفة عامة ، وبخلاف حماية مصالح المساهمين ، فإنها تكون مسئولة عن:
·        اختيار وتقدير مكافآت الموظفين التنفيذيين ؛
·        ضبط ومراقبة التناقض في المصالح ؛
·        التأكد من نزاهة النظم المالية والمحاسبية ؛
·        الإشراف على مدى فعالية ممارسة الحوكمة وعمل التغييرات الضرورية.
II- تطبيق حوكمة المؤسسات على الصعيد العالمي:
تقدم لنا حوكمة المؤسسات مجموعة متكاملة من الأعراف حول دور مجالس الإدارة وكيفية تكوينه والعلاقات مع المساهمين والإدارة العليا والمراجعة والإفصاح عن المعلومات بالإضافة إلى قواعد اختيار المديرين والمسئولين عن الادارة العليا وعزلهم . هذه المفاهيم يختلق تطبيقها من دولة إلى أخرى ، وعلى العموم يوجد عالميا نموذجين رئيسين لتطبيق نظام الحوكمة: النموذج الأنجلو-ساكسون والنموذج الألماني-الياباني . وهو ما نحاول دارسته في هذه النقطة ، مع بداية الإشارة إلى مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشان حوكمة المؤسسات.
II-1: مبادئ OCDE
تستهدف هذه المبادئ مساعدة حكومات الدول الأعضاء وحكومات الدول غير الأعضاء في تحسين الأطر القانونية والمؤسسية والتنظيمية لموضوع حوكمة المؤسسات ، بالإضافة إلى توفير الخطط الإرشادية والمقترحات للأسواق المالية ، المستثمرين ، والمؤسسات وغيرها من الأطراف التي تلعب دورا مهما في عملية وضع أساليب حوكمة المؤسسات. وتركز المبادئ على المؤسسات التي يتم تدول أسهمها في سوق الأوراق المالية . ولكنها تعد أيضا ، في حدود معينة ، أداة مفيدة لتطوير الممارسات السليبة في تسيير المؤسسات التي لا تتداول أسهمها ، من بينها المؤسسات المغلقة أو العائلية أو تلك المؤسسات المملوكة من طرف الدولة.
تغطي المبادئ خمس مجالات أساسية هي : حقوق المساهمين ، المعاملة المتكافئة للمساهمين ، دور أصحاب المصالح ، الافصاح والشفافية ، مسئوليات مجلس الإدارة. وهذا كما يبينه الشكل التالي:
شكل رقم 02 : مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
 



·        حقوق حملة الأسهم أو المساهمين:
على إطار الحوكمة المؤسساتية أن يكون قادراً على حماية وتسهيل ممارسة حملة الأسهم لحقوقهم
·        المعاملة العادلة لحملة الأسهم :
على إطار الحوكمة المؤسساتية ضمان المعاملة العادلة لجميع حملة الأسهم بمن فيهم حملة الأسهم الذين ينتمون إلى الأقلية وحملة الأسهم الأجانب. ويجب أن يعطى جميع حملة الأسهم الفرصة للحصول على التصحيح الفعّال لانتهاك حقوقهم
·        دور أصحاب المصالح في حوكمة المؤسسات:
على إطار الحوكمة المؤسساتية الإقرار بحقوق أصحاب المصالح المنصوص عليها في القانون أو عبر اتفاقيات متبادلة، وتشجيع التعاون النشط بين المؤسسات وبين أصحاب المصالح من أجل خلق الثروة وفرص العمل واستدامة مشاريع الأعمال السليمة من الوجهة المالية.
·        الإفصاح والشفافية:
على إطار الحوكمة المؤسساتية ضمان الإفصاح الدقيق وفي الوقت المناسب عن كل المسائل المادية التي تتعلق بالمؤسسة، بما في ذلك الوضع المالي والأداء والملكية وحوكمة الشركة.
·        مسئولية مجلس الادارة:
على إطار الحوكمة المؤسساتية ضمان التوجيه الإستراتيجي للمؤسسة، والرقابة الفعّالة على الإدارة من قبل مجلس الإدارة، وضمان مسؤولية مجلس الإدارة تجاه المؤسسة وحملة الأسهم.
II-2: دراسة مقارنة لمختلف أنظمة حوكمة المؤسسات
تسمح دراسة هياكل حوكمة المؤسسات في مختلف الدول ، بالتمييز بين الدول الأنجلو-ساكسون ، أين تلعب الأسواق المالية دورا مهما ، وبين دول كاليابان وألمانيا أين تسيطر عليها أنظمة الوساطة المالية.
فالنموذج الأول Le modèle anglo-saxon ( الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ) يتميز بوجود عدد كبير من المؤسسات المتداول أسهمها في البورصة ،  سوق جد كبير للسيولة ولتبادل حقوق الملكية بالإضافة إلى وجود عدد قليل من شركات التي تشرف على رقابة مؤسسات أخرى Les holding de contrôle . أما في النموذج الثاني le modèle germano-nippon فتحتل فيه البنوك الكبيرة ومؤسسات التامين والدولة مكانة مهمة في نظام حوكمة المؤسسات.ويدخل التقسيم السابق ضمن التقسيم التقليدي لنموذج السوق المالية ونموذج اقتصاد الاستدانة[10]. وعلى كل يمكن تبيان أهم خصائص نموذجي حوكمة المؤسسات في الجدول التالي:



جدول رقم 01: خصائص نموذجي حوكمة المؤسسات

النموذج الأنجلو-ساكسون
النموذج الألماني -الياباني
الأبعاد الوقائية لحوكمة المؤسسات
المساهمون
مراقبة ضعيفة:
- رأسمال متشتت ؛
- تنفيذ المراقبة أساسا بواسطة مؤسسات؛
- مراقبة جانب الخصوم المركز على تطور أسعار البورصة.
مراقبة قوية:
- رأسمال مركز على مساهمين مسيطرين ؛
- انتشار مساهمات البنوك ؛
- هياكل للمساهمات المتقاطعة ؛
- تنفيذ المراقبة أساسا من قبل الأعوان الصناعيين ومن قبل البنك المركزي؛
- مراقبة جانب الأصول المتمحور حول طريقة التسيير وكيفية اتخاذ القرارات الاستراتيجة ؛
الدائنون
مراقبة الخصوم:
- اقتراض جد ضعيف من البنوك؛
- اقتراض كبيرمن السوق ؛
- علاقة قصيرة الأجل.
مراقبة الأصول:
- علاقة طويلة الأجل؛
- مديونية بنكية كبيرة ؛
- مديونية بين المؤسسات معتبرة؛
-  مشاركة مهمة للبنوك في رأس المال.
الأجراء
مراقبة ضعيفة
مراقبة قوية:
- التمثيل في مجلس الإدارة؛
- المساهمة في القرارات.
دور مجلس الإدارة والأنظمة التحفيزية
مراقبة ضعيفة:
- سيطرة المسيرين على مجلس الإدارة؛
- طرق للمكافآة أكثر تحفيز والمتعلقة بالعائد المستقبلي للأموال الخاصة ؛
- مراقبة مرتكزة على النتائج والأسعار البورصية.
مراقبة اكثر قوة:
- سيطرة أصحاب المصالح على المجلس؛
- حضور البنوك والأجراء في المجلس؛
- أنظمة المكافآت أقل تحفيزا؛
- مراقبة طويلة الأجل وكيفية ولها طابع استراتيجي.
الأبعاد العلاجية لحوكمة المؤسسات
تحويل حقوق الملكية
سهلة نسبيا
أكثر صعوبة
تغيير المسيرين
بسبب النزاع ويتوقف على درجة سيطرة المسيرين:
- من قبل السوق الذي يساهم في المراقبة؛
- تماسك العمال بمقابل المساهمين؛
- أهمية السوق الخارجي للمسيرين.
أكثر سهولة:
- غالبا ما يتم التفاوض عنه داخل المجموعة؛
- مفروض داخليا من قبل أصحاب المصالح الأساسيين؛
- أهمية الشبكة التي يمثلها المسيرون.

إمكانية خروج أصحاب المصالح
أكثر سهولة
أكثر صعوبة:
علاقات طويلة الأجل مع البنوك والأجراء.
إعادة التنظيم في حالة الصعوبات
أكثر عرضة للنزاع وغالبا بطرق خارجية أو قانونية
أكثر تفاوضا فيه داخل المجموعة
الدور المهم للبنك الرئيسي
المصدر: Gérard CHARREUX," Le gouvernement de l’entreprise" ,in Yves SIMON&Patrick JOFFRE, Encyclopédie de getion ,2eED, Paris: Economica, 1997, P1653-1655.
ونخلص من خصائص نظامي الحوكمة المبينة في الجدول ، أن النموذج الأول الذي تطبقه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يرتكز أساسا على الآليات الخارجية للحوكمة ، والمتمثلة أساسا في السوق المالية ، أين تلعب قوانين هذه الأخيرة والهيئات المنظمة لها دورا مهما في حماية مصالح المساهمين وخاصة الأقلية ويشكل المستثمرون المؤسسيون في هذا النموذج جانبا مهما في التأثير على قرارات المؤسسة خاصة مؤسسات التامين وصناديق التقاعد وصناديق المضاربة ، كما تحتل مسألة كفاءة السوق المالية محورا هامة في هذا النموذج إذ يجب أن تعكس أسعار الأوراق المالية واقع المؤسسة بصدق ، وبالتالي فالمسيرين يخشون من الإشارات السعرية التي تبعثها سوق الأوراق المالية ، فهم يسعون دائما إلى تعظيم عائد الأموال الخاصة.
أما في النموذج الموجود أساسا في كل من اليابان وألمانيا ، فتحتل فيه الآليات الداخلية للحوكمة مكانه هامة ، خاصة بالدور الذي تلعبه البنوك الكبرى في التأثير على قرارات المؤسسة من خلال مساهماتها الرئيسية في رأس أموال أغلب المؤسسات ، وبهذا تعتبر كمساهم رئيسي أو مرجعي ، كما أن مجالس الادارة تمتاز بالفعالية اكثر نتيجة لمكوناته من مختلف أطياف أصحاب المصالح ، خاصة الأجراء الذين يحتلون مركزا جيدا.
III- متطلبات الاصلاح لتطبيق الحوكمة المؤسساتية في الدول النامية:
تحاول الدول النامية جاهدة القيام بإصلاحات هيكلية على اقتصادياتها ، لمواكبة التطورات الحاصلة في الاقتصاد العالمي، ومن هذه التطورات ، كما أشرنا سابقا، الحوكمة المؤسساتية التي أصبحت تثير جدلا ونقاشا كبيرا في الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية المعروفة، خاصة في كيفية تطبيق الدول الصاعدة والنامية لها.
وبصفة عامة، يمكن للدول النامية القيام بعمليات إصلاح ، تتضمن وضع تشريعات وسن قوانين وتطوير المؤسسات والأسواق، ويمكن ذكر أهم متطلبات الإصلاح في النقاط التالية:[11]
III-1:إصلاحات متعلقة بالأسواق التي تعمل فيها المؤسسات:
ومن هذه الإصلاحات ما يلي:
تطوير أسواق الأوراق المالية: من خلال الحرص على مفهوم الكفاءة، وطرق التداول والتسجيل، وادراج عدد كبير من المؤسسات. وتعتبر الأسواق المالية المتطورة أحد الآليات الهامة التي تعزز الحوكمة المؤسساتية عن طريق ارسال الاشارات السعرية، والسماح للمستثمرين بتصفية استثمارتهم بسرعة تقليل من التكلفة، ويِثر هذا على قيمة أسعار أسهم المؤسسات وعلى إمكانية حصول المؤسسة على رأس المال. ويتطلب سوق الأوراق المالية الذي يتصف بكفاءة العمل ما يلي:
·        وجود قوانين تحكم كيفية اصدار المؤسسات للأسهم والسندات وتداولها وتنص على مسئوليات والتزامات مصدري الأوراق المالية ووسطاء السوق من سماسرة ومكاتب محاسبية ومستشاري الاستثمار، والتي تقوم على أساس الشفافية والعدالة؛
·        وجود متطلبات للقيد في بورصات الأوراق المالية تقوم على أساس معايير الشفافية والافصاح الشديد مع وجود سجلات مستقلة للأسهم؛
·        وجود قوانين تحمي حقوق مساهمي الأقلية؛
·        وجود هيئة حكومية مثل لجنة الأوراق المالية SEC في الولايات المتحدة الأمريكية تظم منظمين مستقلين ومؤهلين ذو سلطة تمكنهم من تنظيم عمليات الأوراق المالية الخاصة بالمؤسسات والسهر على سلامة السوق.
اصلاح القطاع المصرفي وتنظيمه: يعتبر وجود نظام مصرفي سليم وجيد أحد الركائز الأساسية المطلقة لسلامة عمل سوق الأوراق المالية وقطاع المؤسسات. ويعتبر وجود الحوكمة الجيدة في النظام المصرفي أمرا هاما بصفة خاصة في الدول النامية.
وقد أثبتت أزمات شرق آسيا وروسيا ، أن ضعف الحوكمة في النظم المصرفية والهروب الضخم لرءوس الأموال يمكن أن يدمر الاقتصادات القومية بشكل خطير. ولذا وجود إطار يعزز ويدعم وجود نظام مالي مرن مع تميزه بالأمن والسلامة يعتبر أرما حاسما، على قدر كبير من الأهمية، وفي هذا الصدد تقدم لجنة بازل للرقابة المصرفية مجموعة من المعايير وأفضل الممارسات التي يمكن تطويعها وفقا للنظم المختلفة. وتتمحور هذه المعايير على أساس ثلاث نقاط أساسية:
·        الحد الأدنى لرأس المال المطلوب لتغطية المخاطر ؛
·        الاستعراض الإشرافي لعملية الرقابة الداخلية للمؤسسة ومدى كفاية رأس مالها؛
·        الاستخدام الفعال للإفصاح لتقوية ودعم انضباطية السوق باعتباره مكملا للجهود الإشرافية.
الأسواق التنافسية: إذ يعتبر وجودها أحد العناصر الهامة في الرقابة الخارجية على المؤسسات، والتي ترغمها على تحقيق الكفاءة والانتاجية خشية ضياع أو تخفيض حصتها السوقية. ويِؤدي نقص وجود الأسواق التنافسية إلى تثبيط عزيمة تنظيم العمال ، ويعزز عمليات الفساد في الإدارة، ويؤدي إلى خفض الانتاجية. ولهذا السبب فإن الأمور الحاسمة لتي تؤدي القوانين واللوائح إلى إنشاء بيئة تجارية تتسم بالوضوح وتكون تنافسية في ذات الوقت.
ويمكن للحكومات أن تعمل على:
·        إزالة عوائق الدخول إلى الأعمال؛
·        إصدار القوانين الخاصة بالمنافسة والمناهضة للإحتكار؛
·        إلغاء العوائق الحمائية بما في ذلك حماية الاحتكارات؛
·        إلغاء نظم المعاملة التفضيلية مثل الاعانات والحصص والاعفاءات الضريبية؛
·        إزالة القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر والصرف الأجنبي.
وفي هذا الصدد يعتبر وجود أسواق تنافسية للمسيرين من اهم الآليات التي تضبط عملهم على أساس الكفاءة والفعالية وجودة التسيير.
أسواق الاستيلاء على المؤسسات: يتمثل أحد العناصر الحيوية الأخرى في بيئة الأعمال التجارية التنافسية في وجود سوق لانضباط المؤسسات. ويقوم هذا السوق بمعاقبة المسيرين والمسيطرين على المؤسسة، ويشجعهم على تحسين أدائها أو التعرض لخطر ضياع سيطرتهم عليها عن طريق الإفلاس باعتباره النتيجة النهائية لتصرفاتهم.
ويعتبر إنشاء أسواقا منظمة وشفافة لعمليات الاستيلاء امرا حاسما لاتمام عمليات الاندماج والاستحواذ، لأغراض اقتصادية، بطريقة عادلة بالنسبة لجميع أصحاب المصالح، وعادة ما يؤدي التنافس السليم على عملية الاستيلاء وكذلك على عمليات الاستحواذ والاندماج جيدة التنفيذ إلى تدعيم وتقوية حوكمة المؤسسات عن طرق تحسين الادارة الداخلية للمؤسسة، وبذلك تقدم مزايا اقتصادية أكبر للمستثمرين والدائنين وبدرج تفوق ما تقدمه لو استمرت في الأداء دون المستوى في ظل الادارة السابقة.
وفي هذا الصدد لا بد من وجود قوانين معينة، وكلك قواعد تنفيذية محددة واضحة، مثل التي تحكم عمليات الاستيلاء والتسابق إلى جمع التوكيلات حتى لا تتمكن الادارة من تأخير أو إطالة محاولة الاستيلاء.

III-2: اصلاحات تتعلق بالجانب المؤسساتي:
ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
إصلاح المؤسسات والأجهزة الحكومية: وهذا من الضروري بمكان، إذ أصبحت مفرطة في البيروقراطية وصارت غير ذات كفاءة. ويمكن ان يتم ذلك عن طريق التنسيق بين إجراءات العمل الداخلي في تلك الأجهزة مع تبسيطها، وتقييم أداء هذا الأجهزة بانتظام طبقا لمعايير واضحة ومحددة تماما. وعلى سبيل المثال، فعندما يتم احتجاز السلع المصدرة والمستوردة لفترات طويلة في الموانئ للمملوكة للحكومة عن طريق السلطات الجمركية، ترتفع التكلفة على القائمين بتلك الأعمال وتنخفض القدرة التنافسية لتلك السلع، وفضلا عن ذلك يزداد الإغراء لطلب ودفع الرشاوي للإسراع بالاجراءات.
وفي هذا الصدد يمكن للآليات التالية ان تساعد على تقوية واستمرار الطاقات الادارية وطاقة التنفيذ:
·        اختيار وترقية الموظفين على أساس معايير مهنية نمطية وعلمية موحدة؛
·        دفع مرتبات مناسبة حتى يتمكن اختيار الأفراد الأكفاء ومنع تقاضي الرشاوي؛
·        تقديم فرص لتثبيت الموظفين بناءا على الأداء وليس على أساس الانتخابات الدورية؛
·        تقديم تدريب مهني للعاملين على أساس أحدث تكنولوجيا؛
·        صقل وتهذيب هيئة للموظفين من بين العاملين المؤهلين جيدا.
تشجيع قيام جهاز مؤسساتي إعلامي ذي خبرة وقدرة على الاستقصاء: وهذا حتى يمكن مراقبة وتتبع أداء المسيرين، فإن المستثمرين والدائنين والعاملين وغيرهم يحتاجون إلى معلومات عن القرارات التي يتخذا المسيرون وأعضاء مجلس الإدارة وعن أداء المؤسسات. وعلى النقيض من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، فإن أصحاب المصالح وصغار المستثمرين ليس لديهم الوقت أو الموارد لتجميع وتحليل المعلومات المطلوبة لإتخاذ القرارات السليمة. وهنا يأتي دور هذه المؤسسات والأجهزة الاعلامية وخاصة الإعلام المالي. إذ يعتبر مجتمع إعلامي قوي ذي خبر ويمتلك المعلومات أمرا أساسيا بالنسبة لصغار المستثمرين وبالنسبة لأصحاب المصالح الآخرين في المجتمع.
دعم وتقوية المؤسسات المهنية الخاصة: ونقصد بها أفراد أو جماعات تعمل مع المؤسسات كل بتخصصه وتقوم بجمع وتوفير معلومات عنها، وتعتمد هذه الوكلاء على معايير مهنية عالية ويقومون بالضغط وأحيانا يقومون بفرض عقوبات للمحافظة والالتزام بتلك المعايير، ومن أمثلة هؤلاء:
جهات ذاتية التنظيم مثل خبراء المحاسبة والمراجعة؛ المحامون، أجهزة التصنيف الائتماني؛ نشطاء المستهلكون؛ خبراء البيئة؛ نشطاء  المستثمرين والمساهمين.
وكل من أولئك الأفراد أو الجماعات لديه نوع خاص من الخبرة، ولديه الموارد والمسئوليات للقيام بالرقابة المكثفة التي تؤدي إلى تعزيز الحوكمة المؤسساتية.
تأهيل واصلاح المؤسسات الاقتصادية وفق اجراءت شفافة وواضحة: ومن ذلك وضع إجراءات خصخصة تتسم بالعدالة والشفافية، إذ يمكن ان تِؤدي نظم الخصخصة السيئة إلى تخريب الاقتصاد والتأثير سلبا على بيئة ومحيط الأعمال. ومن ذلك ان تفرض الدولة على المؤسسات العمومية الاقتصادية رقابة صارمة من خلال انشاء أجهزة لمراقبة ومتابعة سلوك المسئولين عن تسييرها. وكذلك الحرص على إدراج المؤسسات في  بورصة الأوراق المالية وفق معايير محددة واضحة.ومن ذلك توفير التمويل البنكي اللازم وفقا لدراسة جدوى مالية دقيقة تقوم بها البنوك او السلطات الوصية لذلك.
القيام باصلاح مجالس إدارة المؤسسات : إذ يجب التأكيد على مسئولية مجلس الإدارة تجاه المؤسسة والمساهمين حيث :
1.    يجب أن يعمل أعضاء مجلس الإدارة على أساس من المعرفة التامة ،  كما يجب أن يبذلوا كل جهدهم لصالح الشركة والمساهمين؛
2.     ينبغى أن يعمل مجلس الإدارة على تحقيق المعاملة المتكافئة لجميع فئات المساهمين؛
3.     يجب أن يضمن مجلس الإدارة الالتزام بالقوانين السارية مع أخذ مصالح المتعاملين مع الشركة فى الاعتبار؛
4.    يجب أن يقوم مجلس الإدارة بمجموعة محددة من المهام ، من بينها :
    *  توجيه ومراجعة استراتيجية الشركة ، وخطط العمل ، وسياسة إدارة المخاطر ، والموازنة السنوية ، ووضع الأهداف ومراقبة التنفيذ ، والنفقات الرأسمالية المرتفعة واجراءات بيع وحيازة الأصول؛
    *  اختيار شاغلى المناصب الهامة فى الإدارة العليا ، وتحديد دخولهم ومراقبة أداءهم ، واستبدالهم إذا لزم الأمر؛
    *  مراجعة الدخول التى يحصل عليها شاغلو الإدارة العليا ، وتأمين سلامة وشفافية اجراءات تعيينهم وتعيين أعضاء المجلس ذاتهم؛
    *  مراقبة احتمال حدوث أي شكل من أشكال التضارب في المصالح والتعامل معه حال حدوثه؛
    *  مراقبة كيفية استخدام أصول الشركة ، والعمليات التي تتم مع أطراف تابعة أو ذات مصلحة مشتركة ؛
    *  ضمان تكامل نظم التقارير المحاسبية والمالية ، بما في ذلك المراجعة الخارجية وضمان تنفيذ نظم مراقبة ملائمة ، خاصة نظم مراقبة المخاطر ، والإدارة المالية ، والالتزام بالقوانين السارية 0
    *  ضمان استمرار فعالية أساليب الحوكمة المطبقة مع اجراء التغييرات اللازمة عند الحاجة 0
5.    يجب أن يكون المجلس قادرا على الحكم بموضوعية على شئون الشركة باستقلالية عن الإدارة حيث يتعين أن يتضمن تشكيل المجلس عدداً مناسباً من الأعضاء غير التنفيذيين ، القادرين على الحكم الموضوعي المستقل على المهام المختلفة ، على أن يخصصوا الوقت الكافي لهذه المسئوليات
ويفضل أن يكون مجل الادارة يتكون من لجان تساهم في توزيع المسئوليات من بينها:
لجنة المراجعــــــة  : تتولى الإشراف على مراقبي المؤسسة سواء من الداخل أو الخارج، حيث تكون لها سلطة الموافقة على تعيينهم أو الاستغناء عنهم ، والموافقة على نطاق المراجعة ودوريتها، وكذلك استلام التقارير المرفوعة منهم؛
ـ لجنــة المكافــــآت   : تتولى الإشراف على مكافآت الإدارة العليا والمستويات الإدارية الأخرى، وضمان أن تتفق هذه المكافآت مع أنظمة البنك وأهدافه وإستراتيجيته والبيئة المحيطة؛
ـ لجنــة الترشيحــات  :  تقوم بترشيح أعضاء مجلس الإدارة ، وتوجه عملية استبدال أعضاء المجلس.
III-3: إصلاحات تشريعية وتنظيمية:
نظم ضريبية واضحة وشفافة: ينبغي إصلاح النظم الضريبية حتى تتميز بالوضوح والبساطة والدقة. وفي هذا الصدد إن تعدد الإجراءات الخاصة بالتقارير المالية يسمح للمسئولين بممارسة قدر كبير من الاختيار الشخصي، وهو ما يهيئ لهم الانغماس في الفساد، ولذا يجب إلغاؤه. كما ان قوانين ولوائح الضرائب ينبغي أيضا أن تتطلب قدرا كافيا من الإفصاح عن البيانات المالية.
وضع تشريعات مناهضة للفساد: ويكون ذلك بتحديد النصوص القانونية والتنظيمية والتنسيق فيما بينها، وتوضيح القوانين الخاصة بتضارب المصالح؛
وضع قوانين للإفلاس ونزع الملكية: لما كان من غير المتوقع نجاح كافة محاولة المؤسسات، فإن وجود تسريع يضع آليات منظمة للخروج تحقق تصفية عادلة متساوية، يعتبر أمرا أساسيا حتى يمكن تصفية الاستثمارات وإعادة تخصيصها لمشروعات منتجة قبل أن تتبدد تماما. وهو ما يتطلبه هو وضع القوانين واللوائح التي تطلب من المؤسسات المالية وغير المالية أن تلتزم بمعايير الافصاح الدقيق المنتظم فيما يعلق بديونها والتزاماتها، إلى جانب قوانين وإجراءات تسمح بسرعة وكفاءة إجراءات الإفلاس ونزع الملكية تحقق المساواة بين الدائنين وأصحاب المصالح على حد سواء.
قوانين حقوق الملكية والعقود: أحد التشريعات الأساسية والأكثر أهمية لإنشاء اقتصاد سليم قائم على أساس السوق هو نظام حقوق الملكية الذي ينشئ حقوق الملكية الخاصة. لأن من الأمور الأساسية أن تصنع قوانين حقوق الملكية ولوائحها معايير بسيطة وواضحة تحدد على وجه الدقة من يملك ماذا، وكيف يمكن تجميع أو تبادل هذه الحقوق ومعايير لتسجيل المعلومات بطريقة مرتبة زمنيا وذات تكلفة معقولة.
كما انه لن يمكن إجراء سوى القليل من العمليات التجارية وغيرها ما لم يكن هناك تشريع ولوائح تضمن سلامة العقود ونفاذها، ومن الأمور الأساسية ان تعمل هذه التشريعات على حماية الموردين والدائنين وأصحاب الصفقات والعمال وغيرهم.
وجود نظام قضائي مستقل ويعمل بشكل جيد: يعتبر النظام القضائي المستقل الذي يعمل بشكل جيد، واحد من أهم المؤسسات في الاقتصاد الحديث القائم على أساس السوق. ولا يمكن لأي من الاجراءات الضرورية التي تم وصفها فيما سبق ان تحقق أي أثر ما لم يكن هناك نظام قضائي سليم يسهر على تنفيذ القوانين باستمرار وبكفاءة وعدالة ومن ثم يحافظ على حكم القانون.
الخاتمة:
تعتبر عملية القيام بالاصلاحات ،التي تتضمن وضع أي من التشريعات آو المؤسسات السابقة الذكر، لتطبيق الحوكمة المؤسساتية أرما ضروريا مثيرا للتحدي، وبدونها لا يمكن للاقتصاديات النامية أن تتأصل وتثبت جذورها. ومن خلال كل ما سبق يمكن تقديم جملة منى التوصيات كما يلي:
·        ضرورة الاهتمام بموضوع حوكمة المؤسسات ، ومدى تطبيقه سواء في المؤسسات المملوكة للدولة أو الخاصة والعائلية ، إذا أن خصوصية كل مؤسسة تختلف ، لكن تجتمع كلها في محاولة الوصول إلى الأداء المتميز والفعالية المحققة وهي مضمون حوكمة المؤسسات؛
·        السعي لمحاولة قيام الباحثين والمختصين والسياسيين من وضع قواعد لممارسات أفضل في ميدان التسيير وإنشاء مبادئ واضحة لحوكمة المؤسسات في الدول النامية عامة والجزائر خاصة، مستمدة من تجارب الدول ومن المبادئ المقدمة من قبل الهيئات الدولية ، ولها خصوصيتها المحلية؛
·        يجب على الحكومات في الدول النامية من خلال التخلي عن تسيير المؤسسات ، أن تحرص على مراقبتها ومتابعتها بكل الآليات التي تتضمنها مفاهيم حوكمة المؤسسات ، ولا يقتصر المجال هنا على هيئات يتم إنشاؤها، وإنما يتعدى الأمر إلى وضع جملة من التدابير والإجراءات لحماية المؤسسات من التسيير السيئ ومن عمليات الفساد؛
·        كما يجب على الدول النامية تفعيل الآليات الداخلية لحوكمة المؤسسات من خلال إنشاء مجالس لإدارة مستقلة وصارمة في عمليات المتابعة والمراقبة ، والحرص كذلك على تكوين لجان مجالس الادارة التي تتكلم عنها أدبيات حوكمة المؤسسات ، وإعطاء لوظائف الرقابة ومراجعة الحسابات الاستقلالية والعناية اللازمة ، طبقا للمعايير المعمول بها دوليا ؛
·        وحيث أن أغلب الدول النامية زاولت عمليات الخصخصة ، فيجب إذا التحضير كذلك لنظام حوكمة سليمة مبني على الشفافية والوضوح وحماية مصالح الملاك الجدد سواء كانوا من العمال أو الخواص أو الأجانب وسن قوانين وتنظيمات تسهر على تطبيق ذلك النظام؛
·         يجب العمل على إنشاء مختلف الأسواق التي تدعم تطبيق حوكمة المؤسسات ، مثل سوق للمسيرين والإطارات ذات الكفاءة العالية ، حتى تكون هناك منافسة مبنية على النتائج والأداء الجيد. ومنه كذلك تفعيل السوق المالية من خلال إدراج عدد كبير من المؤسسات فيها خاصة المؤسسات المالية كشركات التامين والضمان والاجتماعي وصناديق الاستثمار التي تعتبر آليات مراقبة فعالة لمسيري المؤسسات.
·        يتطلب نجاح تطبيق مضامين الحوكمة المؤسساتية، قيام القطاعين الخاص والعام بالعمل معا ٌنشاء ووضع الأطر القانونية والتنظيمية وخلق جو من خلال السلوك الأخلاقي والإشرافي.




الهوامــش:
[1] ترجم المصطلح باللغة الفرنسية إلى gouvernement des entreprise  ، أما باللغة العربية فهناك العديد من المقترحات: حكم المؤسسات ، حكمانية المؤسسات ، حاكمية المؤسسات أو عدد من البدائل الأخرى مثل : أسلوب ممارسة سلطة الإدارة بالمؤسسات ، أسلوب الإدارة المثلى ، القواعد الحاكمة للمؤسسات ، الإدارة النزيهة وغيرها. لكن بعد العديد من المشاورات والمحاولات خاصة بمجمع اللغة العربية الذي يصك المصلحات ، تم الاتفاق على مصطلح حوكمة المؤسسات .

[2] Gérard CHARREUX , Le gouvernement des entreprises , Paris: Economica, 1997, P:01.
[3]  بنك الاسكندرية ، النشرة الاقتصادية ، المجلد الخامس والثلاثون ، 2003 ، ص:47.
[4]  سميحة فوزي ، تقييم مبادئ حوكمة الشركات في جمهورية مصر العربية ، ورقة عمل رقم 82 ، المركز المصري للدراسات الاقتصادية ، 2003 ، ص:3.
[5] Gérard CHARREUX," Le gouvernement de l’entreprise" ,in Yves SIMON&Patrick JOFFRE, Encyclopédie de getion ,2eED, Paris: Economica, 1997, P1653-1655.
[6]  شهيرة عبد الشهيد ، قواعد إدارة الشركات تصبح سعيا دوليا : ماذا يمكن عمله في مصر ؟ ، ورقة عمل مقدمة لبورصتا القاهرة والاسكندرية ، سبتمبر 2001 ، ص: 6-8.
[7] Franck BANCEL, La gouvernance des entreprises , Paris : Economica, 1997 ;P :15.
[8] Gérard CHARREUX," Le gouvernement de l’entreprise ",in Yves SIMON&Patrick JOFFRE, Encyclopédie de getion, Op cit,P :1657.
[9]  مركز المشروعات الدولية الخاصة،" الاتجاهات الدولية في القرن الحادي والعشرين ..دور جديد لمجلس الادارة " ، في حوكمة الشركات: قضايا واتجاهات ، نشرية تصدر عن المركز ، ديسبمر 2004 ، ص:04.
[10] Franck BANCEL,Op cit ,P :31-32.
[11] وردت هذا الاصلاحات في دراسة لمركز المشروعات الدولية الخاصة بعنوان:
• مركز المشروعات الدولية الخاصة ، حوكمة الشركات في القرن الحادي والعشرين ،واشنطن : CIPE غرفة التجارة الأمريكية ، 2003.ص ص:14-25.
شكرا لك ولمرورك